كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلبثنا على ذلك خمسين ليلة، فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان، وأمّا أنا فكنت أشبَّ القوم، وأجلدهم، وكنتُ أخرج فأشهدُ الصّلاة مع المسلمين، وأطوف في الأسواق، ولا يكلّمنِي أحدٌ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأُسَلِّمُ عليه وهو في مجلسه بعد الصّلاة، وأقول في نفسي: هل حرّك شفتَيه بردّ السّلام عليّ أم لا؟ ثم أصلّي قريبًا منه، فأسارقه النّظر، فإذا أقبلتُ إلى صلاتي أقبل إليّ، وإذا التفتُّ نحوه أعرض عنّي، حتى إذا طال عليّ ذلك من جفوة المسلمين مشيت حتى تسورتُ جدار حائط أبي قتادة- رضي الله عنه-، وهو ابن عمّي، وأحبّ النّاس إليّ، فسلّمت عليه، فوالله ما ردَّ عليّ السّلام، فقلت له: يا أبا قتادة: أنشدك بالله هل تعلمني أُحِبُّ الله ورسولَه صلى الله عليه وسلم؟ فسكت، فعدتُ فناشدته، فقال- رضي الله عنه-: الله ورسوله أعلم، ففاضت عيناي، وتولّيت حتى تسورتُ الجدار، فبينا أنا أمشي بسوق المدينة إذا نبطيّ من أنباط أهل الشّام مِمَن قدم بالطعام يبيعه بالمدينة يقول: مَن يدلّ على كعب بن مالك؟
فطفق النّاس يشيرون له إليّ حتى جاءني فدفع إليّ كتابًا من ملك غسان فإذا فيه:
أمّا بعد؛
فإنّه قد بلغني أنّ صاحبك جفاك، ولم يجعلك الله تعالى بدار هوان ولا مضيعة، فالحق بنا نواسيك. فقلتُ لما قرأتُه: وهذا أيضًا من البلايا قتيمّمتُ بها التّنور، فسجرتُه بها حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين، إذا رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم يأتيني فيقول: إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، فقلت: أُطلِّقها أم ماذا أفعل؟ فقال: لا بل اعتزلها، ولا تقربها. وأرسل إلى صحبيَّ بمثل ذلك، فقلتُ لامرأتي: إلحقي بأهلكِ فكوني معهم حتى يقضي الله في هذا الأمر.
قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله إنّ هلال بن أُمية شيخ ضائع ليس له خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال: «لا ولكن لا يقربك»، قالت: والله ما به حركة إلى شيءٍ، والله ما زال يبكي مذ كان إلى يومه هذا، فقال لي بعض أهلي: لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك كما أذن لامرأة هلال بن أمية أن تخدمه، فقلت: والله لا استأذنت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يدريني ما يقول رسول الله إذا استأذنتُه فيها، وأنا رجل شاب. فلبثت بذكل عشر ليالٍ حتى كملت لنا خمسون ليلة من حين نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا، فلمّا صليت صلاة الفجر صبح خمسين ليلة، وأنا على ظهر بيتٍ من بيوتنا؛ فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله- عزّ وجلّ-، قد ضاقت عليّ نفسي، وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، سمعت صارخًا أوفى على جبل سلع بأعلى صوته يقول: يا كعب بن مالك أبشر.
قال: فخررت ساجدًا، وعرفتُ أن قد جاء فرج، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله تعالى علينا حين صلّى صلاة الفجر، فذهب النّاس يبشّروننا، وذهب قِبَل صاحبِيَّ مبشِّرون، وركض رجل إليّ فرسًا، وسعى ساعٍ من أسلم فأوفَى على الجبل، فكان الصّوت أسرع من الفرس.
فلمّا جاءني الذي سمعت صوته يبشِّرني، نزعت له ثوبَيَّ، فكسوته إيّاهما ببشراه والله ما أملك غيرهما يومئذٍ، واستعرت ثوبين فلبستهما، وانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقاني النّاس فوجًا فوجًا يهنّئوني بالتّوبة، يقولون: ليهنك توبة الله تعالى عليك يا كعب، حتى دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس حوله النّاس، فقام إليّ طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يهرول، حتى صافحني وهنّأني، والله ما قام إليَّ رجل من المهاجرين غيره، وكان كعب لا ينساها لطلحة، فلمّا سلّمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال- وهو يبرق وجهه من السّرور: «أبشر بخير يومٍ مرَّ عليك مُذ ولدتك أُمّك»، قال: قلت: أَمِنْك يا رسول الله أم من عند الله؟ قال: «لا بل من عند الله».
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنار وجهه، حتى كأنّه قطعة قمرٍ، وكنا نعرف ذلك منه، فلَمّا جلست بين يديه، قلت: يا رسول الله إنّ من توبتِي أن أنخلع من مالي صدقة إلى الله ورسوله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك»، قلت: فإنّي أمسك سهمي الذي بخيبر، فقلت: يا رسول الله إنّ الله إنّما أنجاني بالصّدق وإنّ من توبتي أن لا أحدِّث إلاّ صدقًا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله تعالى في صدق الحديث أحسن مِما أبلاني، وما تعمدت مذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا كذبًا وإنّي لأرجو أن يحفظني الله تعالى فيما بقيت، وأنزل الله تعالى على رسوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، [التّوبة الآيات: 117- 119].
فوالله ما أنعم الله عليَّ من نعمةٍ قط بعد أن هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوا، فإن الله تعالى قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شرّ ما قال لأحدٍ، فقال الله- عزّ وجلّ-: {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}، [التّوبة الآيتان: 95-96].
اعلم- وفّقنا الله وإيّاك لما يرضيه من العمل- أنّ في حديث كعب هذا فوائد:
فمنها: جواز إخبار الرّجل عن تَفْرِيطِه في الطّاعة، وما آل إليه أمره، وفيه من النّصيحة ما هو أهمّ الأمور.
ومنها: استحباب ردّ غيبة المسلم كما فعل معاذ- رضي الله عنه-.
ومنها: ملازمة الصّدق، وإن شقّ فعاقبته إلى خيرٍ.
ومنها: استحباب ركعتين في المسجد عند القدوم من السّفر قبل كلّ شيء.
ومنها: أنّه يستحبّ للقادم من سفرٍ إذا كان مقصودًا أن يجلس لِمَن يقصده في موضعٍ بارزٍ كالمسجد ونحوه.
ومنها: جريان أحكام النّاس على الظّاهر، والله يتولى السّرائر.
ومنها: هجران أهل البدع والمعاصي الظّاهرة، وترك السّلام عليهم تحقيرًا لهم وزجرًا.
ومنها: استحباب بكائه على نفسه إذا بدرت منه معصية، وحقّ له أن يبكي.
ومنها: جواز إحراق ورقة فيها ذكر الله تعالى لمصلحةٍ، كما فعل كعب- رضي الله عنه-.
ومنها: أنّ كنايات الطّلاق كقوله: الحقي بأهلكِ، لا يقع إلاّ بالنّيّة.
ومنها: جواز خدمة المرأة زوجها من غير إلزامٍ ووجوبٍ.
ومنها: استحباب سجود الشّكر عند حصول نعمةٍ، أو اندفاع نقمةٍ ظاهرةٍ، والتّصدّق عند ذلك.
ومنها: استحباب التّبشير والتّهنئة، وإكرام المبشِّر بكسوة ونحوها.
ومنها: استحباب القيام للوارد إكرامًا له إذا كان من أهل الفضل بأي نوعٍ كان، وجواز سرور القوم بذلك كما سرّ كعب بقيام طلحة- رضي الله عنهما-، وليس بمعارضٍ بحديث: «مَن سرّه أن يتمثل له الرّجال قيامًا، فليتبوّأ مقعده من النّار»؛ لأنّ هذا الوعيد للمتكبّرين ومَن يغضب إذا لم يقم له، وقد كان صلى الله عليه وسلم يقوم لفاطمة- رضي الله عنها- سرورًا بها، وتقوم له كرامةً، وكذلك كلّ قيامٍ أثمر الحبّ في الله تعالى، والسّرور لأخيك بنعمة الله، والبرّ لِمَن يتوجّه برّه، والأعمال بالنّيات. والله أعلم.
ومنها: مدح الإنسان نفسه بما هو فيه إذا لم يكن فخرًا.
ومنها: أنّ العقبة كانت من أفضل المشاهد.
ومنها: أنّ ديوان الجيش لم يكن في حياته صلى الله عليه وسلم، وأوّل مَن دوّن الدّواوين عمر.
ومنها: أنّ فرصة القربة إذا حضرت فالحزم في انتهازها، فإنّ العزائم سريعة الانتقاض، والله سبحانه يعاقب مَن فتح له بابًا إلى الخير فلم ينتهزه بأن يحول بين قلبه وبين إرادته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}، [الأنفال، من الآية: 24]، وصرّح سبحانه بهذا في قوله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ}، [الأنعام من الآية: 110] وقال: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، [الصّف، من الآية: 5]، وقال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ}، [التّوبة من الآية: 115]، وهو كثير في القرآن.
ومنها: أنّه لم يتخلّف عنه صلى الله عليه وسلم إلاّ مَن هو مغموص عليه في النّفاق أو رجل من أهل الأعذار أو مَن خلّفه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أنّ الإمام لا ينبغي له أن يهمل مَن تخلّف عنه في بعض الأمور بل يذكره ليراجع الطّاعة، فإنّه صلى الله عليه وسلم قال: «ما فعل كعب؟»، ولم يذكر سواه استصلاحًا له وإهمالًا للمنافقين.
ومنها: جواز الطّعن في الرّجل بما يغلب على اجتهاد الطّاعن ذبًّا عن الله ورسوله. ومنه طعن أهل الحديث فيمَن طعنوا فيه، وطعن أهل السّنة في أهل البدع.
ومنها: جواز الرّدّ على هذا الطّاعن إذا غلب على ظنّ الرّدّ أنّه وَهْم كما ردّ معاذ ولم ينكر صلى الله عليه وسلم على واحدٍ منهما.
ومنها: أنّ السّنة للقادم من سفرٍ أن يدخل البلد على وضوءٍ، وأن يبدأ ببيت الله قبل بيته فيصلّي ركعتين.
ومنها: ترك الإمام ردّ السّلام على مَن أحدث حدثًا.
ومنها: معاتبة المطاع مَن يعزّ عليه، فإنّه عاتب الثّلاثة دون غيرهم، وقد أكثر النّاس مدح عتاب الأحبة.
ومنها: توفيق الله لكعبٍ وصاحبيه فيما جاؤوا به من الصّدق، ولم يخذلهم حتى كذبوا، فصلحت عاجلتهم، وفسدت عاقبتهم والصّادقون تعبوا في العاجلة بعض التّعب، فأعقبهم صلاح العاقبة، وعلى هذا قامت الدّنيا والآخرة.
وفي نهيه صلى الله عليه وسلم عن كلامهم خاصّة دليلٌ على صدقهم وكذب الباقين، فأراد تأديب الصّادقين.
وأمّا المنافقون فهذا الدواء لا يعمل في مرضهم، وهكذا يفعل الرّبّ سبحانه بعباده في عقوبات جرائمهم. فمَن هان عليه، خلى بينه وبين معاصيه، فكلّما أحدث ذنبًا أحدث له نعمة.
وقوله: حتى تسوّرتُ حائط أبي قتادة، فيه دليلٌ على دخول الإنسان دار صاحبه وجاره، إذا علم رضاه بلا إذنٍ.
وفي أمره لهم باعتزال النّساء كالبشارة بالفرج من جهة كلامه لهم، ومن أمره لهم بالاعتزال.
وفي قوله: الحقي بأهلكِ دليلٌ على أنّه لا يقع بهذه اللّفظة وأمثالها طلاقٌ ما لم ينوه.
وفي سجوده لما سمع صوت المبشِّر دليلٌ أنّ تلك عادة الصّحابة، وهي سجود الشّكر عند النّعم المتجدّدة والنّقم المندفعة، وقد سجد صلى الله عليه وسلم حين بشّره جبريل أنّ مَن صلّى عليه مرّة صلّى الله عليه بها عشرًا، وسجد حين شفع لأمّته، فشفّعه الله فيهم ثلاث مرّات، وسجد أبو بكر لما جاءه قتل مسيلمة، وسجد عليّ حين وجد ذا الثّدية، وفي استباق صاحب الفرس والرّاقي على سلعٍ دليلٌ على حرص القوم على الخير، وتسابقهم في مسرة بعضهم بعضًا.
ومنها: أنّ إعطاء المبشِّر من مكارم الأخلاق، وجواز إعطاء البشير جميع ثيابه، واستحباب تهنئة مَن تجدّدت له نعمة دينية، والقيام إليه، ومصافحته فهذه سنة مستحبّة، وجائز في النّعم الدّنيوية لِمَن تجدّدت له. وأنّ الأولى أن يقال: ليهنك ما أعطاك الله، ونحوه فإنّ فيه تولية النّعمة ربّها، والدّعاء لِمَن نالها بالتّهني بها.
وفيه: أنّ خير أيّام العبد على الإطلاق يوم توبته، وقبول الله لها، وفي سروره صلى الله عليه وسلم، كمال شفقته على الأمّة.
وفيه: استحباب الصّدقة عند التّوبة، وأنّ مَن نذر الصّدقة بماله كلّه لم يلزمه إخراج جميعه.
وفيه: عظم مقدار الصّدق، وتعليق سعادة الدّارين به، وقد قسم سبحانه الخلق قسمين: سعداء؛ وهم أهل الصّدق والتّصديق، وأشقياء؛ وهم أهل الكذب والتّكذيب، وهو تقسيم حاصر مطرّد منعكس.
وقوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ}، [التّوبة: 117].
هذا من أعظم ما يُعرف قدر التّوبة، وأنّها غاية كمال المؤمن، فإنّ الله- سبحانه وتعالى- أعطاهم هذا الكمال بعد آخر الغزوات.
ولا يعرف هذا حقّ معرفته إلاّ مَن عرف الله وحقوقه، فسبحان مَن لا يسع العباد غير عفوه ومغفرته، وكرر توبته عليهم مرتين فتاب عليهم أوّلًا بالتّوفيق لها، وثانيًا بقبولها، فالخيرات كلّها منه وبه وله. اهـ.